قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
شرح أصول السنة لإمام أهل السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله تعالى 164-241 هـ
43114 مشاهدة
تكفير العصاة

48- وقوله: لا ترجعوا بعدي كفارًا ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض ومثل: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ومثل: سِباب المسلم فسوق وقتاله كفر ومثل: من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ومثل: كُفْرٌ بالله تَبَرُّؤٌ من نسب وإن دقّ .
ونحو هذه الأحاديث مما قد صح وحُفظ، فإنا نُسلم له، وإن لم نعلم تفسيرها ولا نتكلم فيها، ولا نجادل فيها، ولا نُفسر هذه الأحاديث إلا مثل ما جاءت لا نَردها إلا بأحق منها.


هذه الأحاديث استدل بها الخوارج على تكفير العصاة ويقولون: إن المعصية الكبيرة تُخرج من الملة وتُدخل في الكفر، ويحكمون على أهل المعاصي وأهل الذنوب والكبائر بأنهم مخلدون في النار، يستدلون بهذه الأحاديث : سباب المسلم فسوق وقتاله كُفر لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض أو كذلك أحاديث النفاق، وعلامات النفاق: أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر .
معلوم أن هذه الخصال لا تُخرج من الملة، فمثلا ليس خلف الوعد مخرجًا من المِلّة، وليس نفاقًا صريحًا، يعني: اعتقاديًّا، وكذلك الخيانة وما أشبهها، ولكنها من الذنوب ومن كبار المعاصي .
فالعبد الذي يسمع مثل هذه الأدلة يعرضها على الكتاب والسُّنّة، فيقول: نقبلها، ولكن لا نقول: إنها مُخرجة من الإسلام، وأن من عمل بها فإنه ليس بمسلم؛ بل أمره إلى الله - تعالى - ومثله: بريء من الإسلام من تبرأ من نسب وإن دق ومثله: إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما كل ذلك من أحاديث الوعيد.
يقول أهل السُّنّة: إن أحاديث الوعيد تُجْرَى على ظاهرها، ليكون أبلغ في الزجر، مع الاعتقاد بأنها لا تصل إلى الخروج من الملة، لا نقول: مثلا إن هذا قد كفر وخرج من الإسلام بهذا الذنب، بل نقول: عمله عمل كفر، وأما هو فلا يكون كافرًا، ففرق بين العمل وبين العامل، فالعمل يكون من أعمال الكفار أو من أعمال المنافقين، ولا يلزم أن كل من عمل هذا العمل يخرج من الإسلام، ويدخل في الكفر؛ بل أمرهم إلى الله -تعالى- ونحثهم على التوبة والرجوع إلى الله .